وزير الخارجية الأميركي وصف العنف الدائر في مصر بقوله: «إنها لحظة حاسمة بالنسبة لمصر» ودعا قادتها إلى «أن يعملوا على إنقاذ بلدهم من السقوط في الهاوية». والسؤال المطروح: ما الذي يمكن أن تفعله دولة عظمى كأميركا في هذا الشأن؟ حتى قبل اندلاع موجة العنف، أمر أوباما بتجميد عملية تسليم مقاتلات «إف-16» للقوات الجوية المصرية. ولكن كل هذا لا يمثل أكثر من ربت على المعصم. ويتحتم على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك، أن تجمّيد مبلغ 1.5 مليار دولار الذي تتلقاه مصر سنوياً في إطار برنامج المساعدة الخارجية. ولعل الشرط العقلاني المُضمَر الذي يحكم المساعدات الخارجية هو التأكد من أن الدول المتلقية ستتصرف بالطريقة التي نريدها أن تتصرف بموجبها. ولهذا فإن ما تشير إليه التوقعات البسيطة هو أن أياً من طرفي النزاع في مصر لن يفعل ما نريد أن يفعله. ويشعر بعض المسؤولين الأميركيين على الأقل بالحيرة من المواقف المتصلبة التي يتمسك بها كل من الجيش المصري و«الإخوان». وقال أحد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة: "ما من أحد منا يمكنه أن يفسر ما يحدث. ويبدو وكأن الأمر يتعلق بنوع من الانتحار الذاتي». فإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يبدو من الحكمة في شيء الاستمرار في المخاطرة بتقديم أكثر من مليار دولار سنوياً على أمل ضئيل بأن يثوب المصريون إلى رشدهم في القريب العاجل. وتطرح المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر قضية أهم تتعلق بالتساؤل حول الحكمة من منح المساعدات الخارجية بشكل عام. ترصد الولايات المتحدة نحو 50 مليار دولار سنوياً كمساعدات اقتصادية وعسكرية لدول أخرى تتوزع في العالم. ومن الناحية التاريخية، ظلّت إسرائيل تمثل المتلقي الأكبر (بواقع 3 مليارات دولار عن السنة المالية 2012) لهذه المساعدات، إلا أن هذه المليارات لم تردع الحكومة الإسرائيلية عن الاستمرار في بناء المستوطنات في المناطق المحتلة، علماً أن هذا المطلب يحظى بالأولوية في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. وتحتل أفغانستان المرتبة الثانية في قائمة الدول ذات الحصة الأكبر من المساعدات الأميركية. إلا أن أعداد القتلى المدنيين الذين يلقون حتفهم هناك كل يوم في ارتفاع متواصل (ارتفع بمعدل 23 بالمئة خلال النصف الأول من العام الجاري بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي وفقاً لإحصائيات أنجزتها الأمم المتحدة). ومن المرجح أن تنزلق أفغانستان إلى دولة يسودها صراع دموي عندما ستبدأ الولايات المتحدة بالانسحاب منها في نهاية عام 2014. وهذا ما يحدث الآن بطبيعة الحال في العراق (الذي يحتل المرتبة الرابعة في القائمة)، وحيث رفعت سلسلة تفجيرات الشهر الماضي عدد القتلى منذ شهر أبريل وحتى الآن إلى 3 آلاف. ولماذا تمنح الولايات المتحدة لباكستان ملياري دولار سنوياً، بالرغم من أنها الدولة التي تقدم الملاذ الآمن لجماعة «طالبان» المسؤولة عن معظم المذابح التي تشهدها أفغانستان؟. وما الذي فعلته دول مثل: أنجولا وكمبوديا وتشاد وهايتي ولاوس والصومال والسودان وطاجكستان وتركمانستان واليمن وزيمبابوي، وهي التي تتلقى جميعاً المساعدات من الولايات المتحدة؟. ووفقاً للمؤشر العالمي للشفافية والفساد تُصنف حكومات هذه الدول في قائمة الحكومات الأكثر فساداً في العالم. فإذا كان المال عاجزاً عن شراء قوة التأثير الأميركية، فإنه لن يشتري أيضاً الحب والولاء لها. ووفقاً لإحصائية «بيو»، فإن النسبة المئوية من السكان الذين ينظرون بود إلى أميركا بلغت في مصر 16، وفي الأردن 14، وفي باكستان 11. وأشار تحليل صادر عن وزارة الخارجية الأميركية إلى أن عمليات التصويت في الأمم المتحدة لعام 2011 كشفت عن أن معظم الدول التي تتلقى المساعدات الخارجية الأميركية كانت تصوت في معظم الأحوال ضد القرارات المهمة التي تقترحها واشنطن. تشارلز بينا أستاذ كرسي في معهد «Independent Institute» ينشر بترتيب مع خدمة «إم سي تي انترناشونال"»